أخبار

الحرب في أوكرانيا.. توقعات بـ 4 مكاسب يحققها الاقتصاد المصري من الأزمة

لم يكد العالم يفيق من كبوة جائحة كورونا وما خلفته من تداعيات اقتصادية جمة، حتى جاء الصراع الدائر بين روسيا وأوكرانيا والذي تطور إلى حرب لا يستطيع أحد أن يتنبأ بمآلاتها النهائية حال اتساع نطاقها وتغير موازين القوى العالمية.

وألقت الحرب في أوكرانيا بظلالها على الاقتصاد العالمي، لا سيما مع ازدياد حدة موجة التضخم العالمية وما ترتب عليها من ارتفاع السلع الغذائية وغيرها، فما من حرب نشبت إلا وكانت لها تداعيات اقتصادية تقسو على حياة الشعوب ربما لعقود من الزمن.

وفي هذه الحرب التي تضرب قلب أوروبا، لا تُعتبر مصر بمنأى عنها نظرا للتأثيرات الاقتصادية التي قد تشمل جميع اقتصادات العالم، ولكن يتوقف مدى التأثر على درجة جاهزية الدولة للتعاطي مع كافة السيناريوهات المتوقعة.

وتتباين تداعيات الأزمة الحالية على الاقتصاد المصري نظرا لكونها أكبر مستورد للقمح في العالم، وكونها مستوردًا للنفط، واعتماد القطاع السياحي في مصر على السياحة الواردة من روسيا وأوكرانيا.

وعلى الرغم من ذلك، إلا أن هذه الأزمة يمكن أن تحمل أيضا جوانب إيجابية قد تستفيد منها الدولة المصرية بشكل كبير، وعليه يتناول هذا التقرير التحليلي الذي أعده المنتدى الاستراتيجي للسياسات العامة ودراسات التنمية (دراية)، برئاسة الدكتور صلاح هاشم، تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية والمخاطر المحتملة على الاقتصاد المصري، وما إذا كانت هناك جوانب إيجابية للأزمة، إلى جانب ما تقوم به الحكومة المصرية لمواجهة تلك التداعيات وتجاوز آثارها السلبية

الأزمة وارتفاع أسعار الذهب والمعادن

وتسببت الأزمة الروسية – الأوكرانية في صعود أسعار الذهب لتتخطى حاجز 1800 دولار للأوقية خلال شهر فبرير، وصعد سعر الجنيه الذهب أيضا بنحو 272 جنيها خلال تعاملات إلى 6904 جنيهات، ويساوي هذا السعر قيمة الذهب في الجنيه، ويرتبط سعره بأسعار الجرام عيار 21.

وقد يلجأ كثيرون إلى شراء الذهب باعتباره ملاذا آمنا، إلا أن خبراء الاقتصاد توقعوا أن تشهد أسعار الذهب تقلبات كبيرة خلال الفترة الحالية، ولذك ينصحون بالاعتماد على شهادات الاستثمار كوعاء ادخاري آمن.

ويعتمد كثير من دول العالم على روسيا في تأمين إمدادات العديد من المعادن والمواد الخام المستخدمة في عدد من الصناعات، خاصة صناعات الإلكترونيات، وصناعة السيارات والأجهزة المنزلية، وفي ظل الحرب الدائرة وفرض عقوبات غربية على الاقتصاد الروسي سوف تتأثر سلاسل التوريد العالمية، الأمر الذي سوف يؤدي إلى ارتفاع أسعار تلك المواد التي تعاني بالفعل من أزمة في نقص الرقائق وأشباه الموصلات.

المصالح الاقتصادية المصرية الروسية

لا شك في أن العقوبات الاقتصادية على روسيا ستضر جميع الدول التي تدخل في شراكات اقتصادية مع معها، حيث تضمنت العقوبات إبعاد روسيا عن نظام “سويفت”، الذي يسمح بتحويل الأموال بشكل سهل بين الدول المختلفة، وتجميد أصول البنك المركزي ووضع مؤسسات في القائمة السوداء، مما يعيق إجراء الدول لمعاملات مع روسيا.

وتأتي مصر على رأس الدول التي ستتضرر جراء فرض هذه العقوبات على روسيا، حيث إن مصر تُمثل الشريك التجاري الأول لروسيا في أفريقيا بنسبة تعادل 83% من حجم التجارة بين روسيا وأفريقيا.

كما تحصل مصر على نسبة 33% من حجم التبادل التجاري بين روسيا والدول العربية، كما بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال العام 2021 نحو 3 مليارات دولار، وعليه فمن المتوقع أن يتأثر الاتفاق بين البنك المركزي المصري ونظيره الروسي المعني بمشاركة البنوك الكبرى من البلدين خلال عام 2021 لتفعيل قبول بطاقات الدفع الروسية والمصرية ليصبح استخدامهما متاحاً بالبلدين، فضلاً عن دراسة ربط البنوك المصرية بالشبكة المالية الروسية بهدف تسهيل تنفيذ المعاملات المالية.

كما تعمل في مصر نحو 467 شركة روسية في مجالات مختلفة مثل البترول والغاز بحجم استثمارات بقيمة 7 مليارات دولار، وتُوفر قرابة 35 ألف فرصة عمل.

الحرب في أوكرانيا وتراجع السياحة

وستؤثر الحرب الناشبة بين روسيا وأوكرانيا وإغلاق المجال الجوي الأوكراني وفرض حظر طيران في الأجواء الروسية إلى إلغاء مئات الحجوزات الوافدة لمصر من أوكرانيا أو روسيا، حيث شهد فبراير الماضي انخفاض عدد الرحلات السياحية الأوكرانية إلى جنوب سيناء إلى نحو 188 طائرة مقارنة بنحو 264 طائرة في يناير 2022، وشهد أيضا عدد الرحلات السياحة الروسية انخفاضا من 436 طائرة في شهر يناير إلى 225 طائرة في شهر فبراير.

وتمثل السياحة الروسية والأوكرانية ما بين 60 و65% من حجم الأسواق الوافدة إلى مصر، في الفترة الأخيرة.

ويعد قطاع السياحة المصدر الرئيسي للنقد الأجنبي حيث تُساهم السياحة بما يصل إلى 15% من الناتج الاقتصادي لمصر، وبحسب بيانات البنك المركزي المصري، فإن قطاع السياحة المصري، شهد المزيد من التعافي خلال 2021 مع عودة حركة السفر الدولية، لترتفع الإيرادات بنحو 20% في النصف الأول من 2021 مقارنة بالعام السابق.

على الرغم من التحديات التي يفرضها استمرار الحرب في منطقة البحر الأسود بين روسيا وأوكرانيا، يمكن رصد بعض الجوانب الإيجابية للأزمة على الاقتصاد المصري يمكن الاستفادة منها لدعم الاقتصاد الوطني والحد من الآثار السلبية للأزمة ونستعرض منها الآتي:

ارتفاع تاريخي لعائدات قناة السويس

في ظل التوترات القائمة على الحدود بين روسيا وأوكرانيا واحتمالية عرقلة ممر الشمال الروسي فضلا عن احتمالية توقف العمل بموانئ البحر الأسود، فإن هذا الأمر قد يُعزز الميزة التنافسية لقناة السويس باعتبارها الممر الملاحي الأكثر أمنا والأقل مسافة بين جميع طرق الملاحة الدولية.

وقد حققت قناة السويس أعلى إيرادات سنوية في تاريخها العام الماضي، حيث تجاوزت الإيرادات 6.3 مليار دولار عام 2021 مقارنة بـ 5.6 مليار دولار عام 2020، بزيادة قدرها 720 مليار دولار.

كما حققت أكبر حمولة إجمالية بلغت 1.27 مليار طن عام 2021، ويمكن أن يؤدى المزيد من ارتفاع أسعار النفط إلى زيادة إيرادات قناة السويس وتعويض جزء من العجز في الاحتياطي النقدي الذي قد يتأثر بزيادة أسعار النفط بسب الحرب الجارية.

تعزيز موقع مصر كمركز إقليمي للطاقة

استطاعت الدولة المصرية، أن تكون شريكا أساسيا واستراتيجيا للقارة الأوروبية من خلال استعداد مصر لبيع نحو 25% من الفائض عن الاحتياطي الاستراتيجي من الكهرباء من إجمالي الإنتاج المصري، وذلك من خلال اتفاقيات مع اليونان وقبرص كجزء من مشروع “يورو أفريكا”، الذي يربط بين شبكات الكهرباء في مصر والدولتين الأوربيتين، عن طريق مد كابل بحري بين مصر وقبرص بطول 498 كيلومترًا (309 ميلًا)، وعمق 3000 متر (9800 قدم) ثم توصيل قبرص بجزيرة كريت اليونانية بكابل يبلغ طوله 898 كيلومترًا (558 ميلًا)، بإجمالي طول 1396 كيلومترًا (867 ميلًا)، لتنطلق منه كهرباء بقدرة 2000 ميجاوات لأوروبا، ويمكن تزويدها إلى 3000 ميجاوات ، باستثمار بلغ 4 مليارات دولار، لتنطلق منه كهرباء بقدرة 2000 ميجاوات لأوروبا، ويمكن زيادتها إلى 3000 ميجاوات.

زيادة فرص تصدير الغاز المصري  

بعد فرض عقوبات اقتصادية على روسيا، تتصاعد الأصوات المنادية بضرورة إيجاد بديل للغاز الروسي في أوروبا، مما قد يتيح فرصة جيدة للغاز المصري أن يحصل على حصة أكبر من واردات أوروبا، ويرتفع الإقبال على الغاز المصري لتعويض أي نقص محتمل في إمداد الغاز الروسي لأوروبا حال تزايد حدة التوتر بين روسيا وأوكرانيا.

 

وبلغت صادرات مصر من الغاز الطبيعي المسال 3.9 مليار دولار خلال عام 2021 بنسبة نمو 550%، وذلك من إجمالي 12.9 مليار دولار صادرات بترولية العام الماضي، بحسب بيانات رسمية.

إن ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي على مستوى العالم بنسبة 5.9% ليصل إلى 4.90 دولار لكل مليون وحدة، يُعد مؤشرا إيجابيا يسمح للدولة المصرية بزيادة صادراتها من الغاز والتخفيف من تأثير ارتفاع أسعار البترول وتخفيف الضغط على الموازنة العامة.

حلول وتدخلات الدولة المصرية

اتسمت استجابة الدولة المصرية بتخطيط مدروس للأزمة التي نشأت بسب الحرب الروسية الأوكرانية، فعلى صعيد تدخلات الحكومة لتجاوز أزمة توافر القمح وارتفاع أسعاره، أمرت بضخ أكثر من 50 مليار جنيه لتعزيز المخزون الاستراتيجي من السلع ورفع سعة الصوامع التخزينية من 2 مليون طن قمح إلى أكثر من 4 ملايين طن خلال السنوات القلية الماضية، ووضعت خطة لاستيراد القمح من 14 دولة أخرى معتمدة من جانب وزارة التموين لتنويع واردات القمح حال تصاعد الأزمة واتساع نطاق الحرب، إلى جانب رفع أسعار شراء القمح من المزارعين محليا بنسبة 15% لتشجيعهم على الزراعة، هذا بالإضافة إلى وجود مخزون استراتيجي من القمح يكفي 5 أشهر، إلى جانب الإنتاج المحلي الذي سيبدأ من منتصف إبريل ليزيد المخزون الاستراتيجي إلى 9 أشهر.

بالإضافة إلى التوسع الأفقي بزيادة المساحات المنزرعة بالقمح ضمن المشروعات القومية، وهو ما تنفق عليه الدولة مليارات الدولارات، حيث ارتفع إجمالي المساحة المزروعة بالقمح من 3.1 مليون فدان في 2018 /2019 إلى نحو 3.6 مليون فدان حاليا، مع توقعات بأن يبلغ إجمالي الإنتاج نحو 10 ملايين طن للعام الحالي، والانتهاء من نظام مخازن الحبوب الداخلية ورفع سعة التخزين في البلاد من 1.2 مليون طن إلى 3.4 مليون طن سنويا.

كما عملت الدول المصرية على تأمين باقى السلع الاستراتيجية، فهناك احتياطي استراتيجي من السكر يكفى لمدة 4.5 شهر، ومن الزيت لمدة 5.5 شهر، والأرز 6.5 شهر، والفول 3 أشهر، واللحوم والدواجن 8.5 شهر.

ويُذكر أن الحكومة المصرية وفرت 87 مليار جنيه (نحو 5.5 مليار دولار) في موازنة العام الحالي للإعانات المقدمة للسلع الغذائية 87 مليار جنيه، وهو ما يمثل 3.5٪ من إجمالي الإنفاق العام، على أن يشمل ذلك 50 مليار جنيه لدعم الخبز و37 مليار جنيه لدعم السلع التموينية. وتُشير الإحصاءات الرسمية إلى أن أكثر من 72 مليون شخص في مصر يستفيدون من إعانات الخبز والسلع.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى